العَشاءِ الأخيرِ The last supper/ سليمان دغش
في العَشاءِ الأخيرِ على بُعدِ جُلجُلَةٍ من رؤايَ وأدنى قليلاً
تَذَكَّرتُ مِريَمَ أمي الّتي حَمَّلَتني بِشارَتَها الناصِرِيَّةَ
مُنذُ تَجَلّى لها الوَحيُ ذات مساءٍ جَليلٍ إلى آخِرِ الخُطُواتِ
على دلوروزا الصّليبِ فصارَ النّبيذُ دَمي في العشاءِ الأخيرِ
وكانَ الرَّغيفُ المُقَدَّسُ سُنبُلةَ الجَسَدِ الدنيَويِّ إذا عادَ للأرضِ
أنبَتَ حقلاً وأحيا التُّرابَ المُدَمّى،
إلهي إلهي لماذا تَخَلَّيتَ عَنّي
وما كُنتُ إلّا الدَّليلَ إلَيكَ، حَمَلتُ رسالَتَكَ الأزَلِيَّةَ طَيَّ الضّلوعِ
أُبَشّرُ باسمِكَ قُربَ خلاصِ سُلالةِ آدَمَ منْ رِحلَةِ التيهِ
في سِرِّ هذا الوجودِ، لكَيْ تُصبِحَ الأرضُ فِردَوسَنا الدُّنيَوِيَ الأخيرَ،
بوسعِ سماءِ المَحَبَّةِ هَلْ منْ طَريقٍ إلى مَلكوتِكَ الّا المَحبّة،
مُنذُ خَلَقتَ لآدَمَ من نَفسِهِ زوجَةً وَجَعَلتَ الموَدَّةَ والحُبَّ بَينَهُما فِطرَةً
كَبُرَتْ فيهِما لَهُما فَغَدتْ وَلَهاً في الهَوى
في العَشاءِ الأخيرِ وأنتَ تلازِمُني حَيثما كُنتُ، كان يهودا
يُعِدُّ المكيدَةَ مرتَشِياً فلِماذا إلهي تَخليتَ عني
ولمْ أنهِ رؤيا السّماوات في الأرضِ كيْ تُصبحَ الأرضُ
سيّدةَ الكَونِ، باعِثةَ الحُبِّ والخَصبِ في رَحْمِ هذا الوجودِ اللطيفِ
وهلْ كانَ هذا الوجودُ سوى نَفحَةٍ منْ تَجلّي الإلهِ اللطيفِ لَنا وَبِنا؟
ولماذا تَخلَّيتَ عنّي قُبَيلَ النّهايَةِ في ساعَةِ الصّفرِ؟
هلْ لأعودَ إليكَ فتَمتَحِنَ الخَلقَ ما بَينَ تَصديقِ صَلبي ومَوتي
ومُعجِزَتي بالقِيامَةِ حَيّاً وبينَ ما قَتلوهُ وما صَلَبوهُ،
لماذا أمرتَ ملائِكَةً في السّماءِ اسجدوا لِصَفيِّكَ آدمَ
هذا الشَّقيّ الغَبِيّ، أما كانَ إبليسُ حينَ أبى يا إلهي مُحقاً
وهلْ أحَدٌ أفسَدَ الأرضَ إلّا صَفيّكَ هذا؟،
لعَمري لو انَّكَ أورَثتَ إبليسَ أرضَكَ ما كانَ أفسَدَها مثل آدَمَ،
إبليسُ يبقى ملاكاً مقارَنةً بهِ، فانظُرْ إلهيَ كَمْ من أبالسةٍ
منْ سُلالَتِهِ عاث في الأرضْ باسمِكَ حتّى استَحالتْ جَحيماً وناراً
كأنَّكَ حينَ تَخَلّيتَ عنّي تَبَرَّأتَ منهُ لِيَشقى بما ارتَكَبَتْ منْ مَعاصٍ يداهُ
وأنتَ تراهُ، يُسَبّحُ باسمِكَ ليلاً وباسمِكَ يَذبَحُني في النَّهارِ
أضَلَّ الطريقَ إليكَ وَحَرَّفَ كُلَّ الرّسالاتِ عَمداً وزوراً، تمادى افتِراءً عليكَ
وَصَدَّقَ أسطورَةَ الوَعدِ وَعدِكَ َ تُعطيهِ أرضي وداري
وما زالَ يوشعُ بن نونَ فوقَ حمارِ الخُرافَةِ يَقضِمُ عُشبَ البلادِ
وَيرعى الخَريطَةَ ما بَينَ ماءٍ وماءٍ على مدِّ روحي
إلهي إلهي لماذا تَخَلَّيتَ عَني على بُعدِ نَبضَةِ قلبٍ وأدنى
منَ القُدْسِ، قُدْسِكَ قُدْسي ومِفتاح سرّي المُقدّسِ سلَّم روحي الوحيد
إلى ملكوتِكَ، كَيفَ سأصعَدُ بَعدُ إليكَ بلا سُلَّمٍ فَتَجَلَّ على رَبوَةِ القُدسِ ثانِيَةً
آنَ أنْ أتَرَجَّلَ إنَّ الصَليبَ ثقيلٌ على كَتِفَيَّ ودَربي مَديدُ الخُطى
وانزِل الآنَ أرضَكَ وابعَثْ بنا نورَكَ السّرمَديَّ لنُكمِل من فَيضِ نورِكَ
هذا العشاء الأخيرَ الأخير الأخير ....
( سليمان دغش)