**** يتيمة الشهيد *****
جاءت له لتقبله
وتغفو بحجره لحظات
لترتوي من حنانه
وقالت
اترك لي قميصك لتغطيني فيه امي
ليشعرني انك موجود ... حتى تعود
وصور اعلقها على الجدران لاراكا في كل زمان
لاني لا ارغب بكل لحظة تمضي او تأتي
وانت لم تكن موجود ... فأنت الوجود
ولا اهتم من دونك في نهار مشمس
او ليل مقمر فأنت لي شمس وقمر
لم اجد شيء ولم احب شيء الا انت
وكل سعادتي عندما استيقظ فأراك
يشرح لي صدري عطرك وهواك
وقالت يا من تهذي بإسمه نبضات خافقي
ويامن لم ينسه بالي حتى وانا نائمة
قل للوطن ان ابنتي رقية اعطت كل جمال حياتها لثراك
فماذا ستعطيها انت فتبسم وتبسمت
ووضعت كفيها الرقيقتين على خديه وقبلته في جبهته وقبلها في ثغرها
ودمعهما يتلألأ فوق خدودهما
ومن ثم خرج
وأراد ان يغلق خلفه الباب ولكنها ابت ذلك
امسكت بيدها اليسرى عروة الباب
واليمنى تارة تلوح بها لابيها وتارة تكفكف بها دموعها
وعينيها يدققين خطواته وكانت تنادي خلفه
ابتي ....
ابتي ....
قصر بخطواتك ولا تعجل لاتذهب سريعا
اريد ابقى ان اراك
يا حبيبي ونور بصري
ارى السماء
بسحابها .. بشمسها ... بطيوريها ... بحشراتها ... بهوائها
وكذلك الارض
بجمادها ... بخضارها ... بمائها .. بناسها
يركضن وراءك
وعندما اختفى عن مدى رؤيتها
عادت محدودبة الظهر
تتعثر بخطواتها
مثقلة ... مهمومة ... مهضومة ... مكلومة .... موجوعة
تعلق الصور وتضع عند كل صورة باقة من القرنفل والسوسن
وتشم القميص وتقبله وكأنها لم تره مرة اخرى
وبقت على هذا الحال
حتى جاء يوم نزوله
والاشتياقها له
لم تنم طوال الليل
وصارت تشعر ان الوقت متوقف
وان الصبح لا يأتي ابدا
وكلما تسمع صوتا
تهرع الى الباب مسرعة لتفتحه الى ابيها
ولكن لم تجده فتعود منكسرة
ورغم المعانات انقضى الليل
مابين دموع الشوق ودموع الفرح
وجاء الصباح
وطُرٍقَ الباب الساعة السابعة صباحا
مع توهج الشمس
وزقزقة العصافير
وهديل الحمام
ونسمات الربيع المعتدلة في بوردتها
قدماها سبقتا جسدها
وقلبها كاد ان يتوقف فرحا وشوقا
لترى ذلك الصرح العظيم
ملفوف بعلم الوطن
ونظرت الى وجهه المبتسم
وكأنها سمعته يناديها
تعالي ... تعالي
ياصغيرتي
يا حبيبة ابوها
اريد ان اقبلك قبلة اخيرة
تبقى على خدك ذكرى جميلة
واريد منك قبلة تؤنسني وحشة القبر
فوقعت عليه وهي تنادي ودموعها تنهمر بغزارة
ابتي ... ابتي ....
فتحت الباب وانا فاتحة ذراعي لتحملني وتضمني الى صدرك
وارادت ان تقبله بالموضع التي تقبله منه دائما
ولكن وجدت الرصاصة قبلته قبلها وعندها هلعت من شدت الحزن
مسكينة .......
فالوطن لم يرد جميلها
فلم تجد به لها الا بيتا قديما لا يصلح للعيش
وعملا في النفايات لتجمع قوت يومها
و إيجارا لذلك البيت العتيق
وبعد ما كانت ملكة في مملكة ابيها
جميلة رقيقة شعرها كنعومة الريش وابتسامتها العريضة
صارت قبيحة ملابسها رثة ليس لها وقت لتمشيط شعرها وجهها شاحب
حرقته حرارة شمس الصيف وفطرته برودة الشتاء
رقية عراقية اعطت الى وطنها هوية
وثقتها بدم ابيها
لتبقى غريبة بدون هوية
احمد سلمان/ العراق