ليلة العيد
إرتفع صوت المذيع المنطلق من تلفزيون ضخم يجلس بهيبة وفخامة أمام جمهرة من العيون المترقبة وقال:" غدا هو أول أيام عيد الفطر السعيد" ... فتعالت من حولي أصوات ضحكات أفواه حبست أنفاسها فترة من الوقت وهي تنتظر ذلك الصوت الرخيم وامتلأت نظرات من في الغرفة بالفرحة والبريق والإشراق...
كنت أمارس هوايتي في ركني المفضل أحتضن الأواني بحب وأحادثها بحروف تغتسل من شلال الماء الساقط في المطبخ بين الملح والسكر...ومن نافذته التي تطل على الحديقة تراءت لي أيام طفولتي... الطفلة البسيطة الوادعة المليئة بالحكايات والمشاهد العالقة بالذاكرة .ووقفت أمام عيني تلك الفتاة العنيدة التي كانت تتمسك بحقها بطفولة خالية من أي مسؤولية ومن أي مقارنات، وأي التزامات التي كانت تطالب بلغة فطرية نابعة من روحها البريئة بحقها باللعب في ساحات الحياة الممكنة : في الشارع وعلى الأرصفة ، و داخل المغارات العميقة وفوق الأشجار وتحت عرائش الكروم ...
أطلت الفتاة الساكنة روحي عليهم باسمة مستبشرة... كانت ترى الطفلة فيها صغيرة تبحث عن قوتها من الطفولة فتوجهت عيناها إلى تلك الشجرة...
"تذكرني هذه الصفصافة بشجرة التوت الكبيرة التي تمتد أغصانها إلى شباك الطابق الثاني ، وتشير بإصبعها إلى مشهد لم يتزحزح من أمام عيني لحظة رأيت الضحكات والرقصات تحوم في فناء البيت" مشهد تلك اللحظة التي تسلقت فيها شجرة التوت ذات عيد وتمزقت ملابسي الناعمة الجديدة المنتقاة بعناية....
تعلقت بالشجرة وتأرجحت بين أغصانها حافية مسدلة الشعر أضع على هامتي إكليلا أبيض وأربط شعري بشبرة حمراء وقد ألقيت حذائي لاستمتع بخفتي ورشاقتي في التسلق... كنت ألتهم حبات التوت الأحمر بعشق ونهم طفولي رقيق...ولما وجدت أن فرصة الركض وراء حبات التوت قد لا تتكرر ملأت جيوب فستاني الأبيض منه بفرح وطمع وحرص ...وها انا أرى تلك الطفلة تتراكض خلف كراتهم ، وتتماهى و أصوات ضحكاتهم. و من على شرفة الزمان أطل علي فأجدني أنا أنا... لم تغادرني تلك الطفلة المشاغبة الجريئة ...ولم تكبر بين عيني وما زالت تبحث عن نسغ الحياة في عروق الثواني ووهدة اللحظات المطلة على الروح من نافذة المطبخ
" من الجنون أن تبقى عاقلا مع العاقلين"
وضعت يدي بيد العيد ومشيت بين أرصفته ولوحاته وأنواره ... فهو من يفهمني، ويحفظني، ويلاعب الطفلة السمراء المليئة بالحياة فيّ الطفلة التي تسكنني و تعادي إطلالة بعض شعرات ارتدين الأبيض وقاومت قوانين الحجر التي تجددت على شكل أوامر دفاع مملوءة بما يجوز وما لا يجوز.
وارتفع صوت المذياع مرة أخرى " أهلا أهلا بالعيد مرحب مرحب بالعيد...."
وبدأت الضحكات تتعالى وبدأت هرولة الأنفاس إلى كل حلم ولكن كيف تحولت العيون إلى جهتي وركضت الأيدي إلي وتسابقت الأنفاس والبسمات لملاطفة عيني لندخل معا في رقصة جميلة...
صوت عميق ينادي تعالي تعالي ...
نعم ما زلت أعشق اللعب بالبلاللين المعبأة بالمياه... ترشقني وأرشقها... لا زالت تغريني أرجوحة الحي بكل ما فيها من مسامير تخرق ملابسي "أعيريني شبرك الحمراء"
وأنا أحب اللون الأحمر، ولكنني لم أكن أحب تسريحة شعري الطويل... وأحب تراقصها في الهواء عاليا وإلى الاسفل.... اراقبها جميلة جدا وهي تروي حكاية من فرح وحياة
"أنفقت عيديتي كلها وكل ما وقع في يدي من مال ،أشتريت من الحلويات ما لذ وطاب ومن الألعاب ما للذكر وما للأنثى فقد اشتريت مسدسات كثيرة وسهام كثيرة وألعاب نارية ودمى بشعر ودمى من غير شعر ...
وما زالت شهقة أمي تتمطى أمامي وهي ترى الطفلة العائدة من معركة يوم لا ينسى حاولت امتصاص كل ما فيه من لعب وضحك وجمال وحب وبهجة " كنت أعرف أنني أني سأعاقب فقد كان حظي عاثرا فأنا لم أعد يوما إلى البيت بملابس العيد جديدة سليمة فمرة وقعت في الكانون ومرة وقعت في حوض الطين....أو على كومة قش او في الشوك....ولم أعرف أن حظي كان يبحث لي عن طريق السعادة...لم أهتم الا للعب...ولم ألعب كما يجب فبقيت راغبة به، أسترق النظر إلى عيون الكرات والبلالين وأحاول اختطافه من بين أسنان الدقائق المكبلة بالعمر وبقيت الطفلة تبحث عن ألعابها وأشيائها الصغيرة المدهشة ...
#سهيرالرمحي
إرتفع صوت المذيع المنطلق من تلفزيون ضخم يجلس بهيبة وفخامة أمام جمهرة من العيون المترقبة وقال:" غدا هو أول أيام عيد الفطر السعيد" ... فتعالت من حولي أصوات ضحكات أفواه حبست أنفاسها فترة من الوقت وهي تنتظر ذلك الصوت الرخيم وامتلأت نظرات من في الغرفة بالفرحة والبريق والإشراق...
كنت أمارس هوايتي في ركني المفضل أحتضن الأواني بحب وأحادثها بحروف تغتسل من شلال الماء الساقط في المطبخ بين الملح والسكر...ومن نافذته التي تطل على الحديقة تراءت لي أيام طفولتي... الطفلة البسيطة الوادعة المليئة بالحكايات والمشاهد العالقة بالذاكرة .ووقفت أمام عيني تلك الفتاة العنيدة التي كانت تتمسك بحقها بطفولة خالية من أي مسؤولية ومن أي مقارنات، وأي التزامات التي كانت تطالب بلغة فطرية نابعة من روحها البريئة بحقها باللعب في ساحات الحياة الممكنة : في الشارع وعلى الأرصفة ، و داخل المغارات العميقة وفوق الأشجار وتحت عرائش الكروم ...
أطلت الفتاة الساكنة روحي عليهم باسمة مستبشرة... كانت ترى الطفلة فيها صغيرة تبحث عن قوتها من الطفولة فتوجهت عيناها إلى تلك الشجرة...
"تذكرني هذه الصفصافة بشجرة التوت الكبيرة التي تمتد أغصانها إلى شباك الطابق الثاني ، وتشير بإصبعها إلى مشهد لم يتزحزح من أمام عيني لحظة رأيت الضحكات والرقصات تحوم في فناء البيت" مشهد تلك اللحظة التي تسلقت فيها شجرة التوت ذات عيد وتمزقت ملابسي الناعمة الجديدة المنتقاة بعناية....
تعلقت بالشجرة وتأرجحت بين أغصانها حافية مسدلة الشعر أضع على هامتي إكليلا أبيض وأربط شعري بشبرة حمراء وقد ألقيت حذائي لاستمتع بخفتي ورشاقتي في التسلق... كنت ألتهم حبات التوت الأحمر بعشق ونهم طفولي رقيق...ولما وجدت أن فرصة الركض وراء حبات التوت قد لا تتكرر ملأت جيوب فستاني الأبيض منه بفرح وطمع وحرص ...وها انا أرى تلك الطفلة تتراكض خلف كراتهم ، وتتماهى و أصوات ضحكاتهم. و من على شرفة الزمان أطل علي فأجدني أنا أنا... لم تغادرني تلك الطفلة المشاغبة الجريئة ...ولم تكبر بين عيني وما زالت تبحث عن نسغ الحياة في عروق الثواني ووهدة اللحظات المطلة على الروح من نافذة المطبخ
" من الجنون أن تبقى عاقلا مع العاقلين"
وضعت يدي بيد العيد ومشيت بين أرصفته ولوحاته وأنواره ... فهو من يفهمني، ويحفظني، ويلاعب الطفلة السمراء المليئة بالحياة فيّ الطفلة التي تسكنني و تعادي إطلالة بعض شعرات ارتدين الأبيض وقاومت قوانين الحجر التي تجددت على شكل أوامر دفاع مملوءة بما يجوز وما لا يجوز.
وارتفع صوت المذياع مرة أخرى " أهلا أهلا بالعيد مرحب مرحب بالعيد...."
وبدأت الضحكات تتعالى وبدأت هرولة الأنفاس إلى كل حلم ولكن كيف تحولت العيون إلى جهتي وركضت الأيدي إلي وتسابقت الأنفاس والبسمات لملاطفة عيني لندخل معا في رقصة جميلة...
صوت عميق ينادي تعالي تعالي ...
نعم ما زلت أعشق اللعب بالبلاللين المعبأة بالمياه... ترشقني وأرشقها... لا زالت تغريني أرجوحة الحي بكل ما فيها من مسامير تخرق ملابسي "أعيريني شبرك الحمراء"
وأنا أحب اللون الأحمر، ولكنني لم أكن أحب تسريحة شعري الطويل... وأحب تراقصها في الهواء عاليا وإلى الاسفل.... اراقبها جميلة جدا وهي تروي حكاية من فرح وحياة
"أنفقت عيديتي كلها وكل ما وقع في يدي من مال ،أشتريت من الحلويات ما لذ وطاب ومن الألعاب ما للذكر وما للأنثى فقد اشتريت مسدسات كثيرة وسهام كثيرة وألعاب نارية ودمى بشعر ودمى من غير شعر ...
وما زالت شهقة أمي تتمطى أمامي وهي ترى الطفلة العائدة من معركة يوم لا ينسى حاولت امتصاص كل ما فيه من لعب وضحك وجمال وحب وبهجة " كنت أعرف أنني أني سأعاقب فقد كان حظي عاثرا فأنا لم أعد يوما إلى البيت بملابس العيد جديدة سليمة فمرة وقعت في الكانون ومرة وقعت في حوض الطين....أو على كومة قش او في الشوك....ولم أعرف أن حظي كان يبحث لي عن طريق السعادة...لم أهتم الا للعب...ولم ألعب كما يجب فبقيت راغبة به، أسترق النظر إلى عيون الكرات والبلالين وأحاول اختطافه من بين أسنان الدقائق المكبلة بالعمر وبقيت الطفلة تبحث عن ألعابها وأشيائها الصغيرة المدهشة ...
#سهيرالرمحي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق